سورة الطور - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{وأمددناهم بفاكهة وَلَحْمٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} وزدناهُم عَلى ما كانَ لَهُم منْ مبادِي التنعمِ وقتاً فوقتاً ما يشتهونَ من فنونِ النعماءِ وألوانِ الآلاءِ {يتنازعون فِيهَا} أي يتعاطَون فيها هُم وجلساؤُهم بكمالِ رغبةٍ واشتياقٍ كما ينبىءُ عنه التعبيرُ عن ذلكَ بالتنازع {كَأْساً} أي خمراً تسميةً لَها باسمِ محلِّها {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} أيْ في شُربها حيثُ لا يتكلمونَ في أثناءِ الشربِ بلغوِ الحديثِ وسقَطِ الكلامِ {وَلاَ تَأْثِيمٌ} ولا يفعلونَ ما يؤثمُ به فاعلُه أي ينسبُ إلى الإثمِ لو فعَلُه في دارِ التكليفِ كما هو ديدنُ المنادمينَ في الدُّنيا وإنما يتكلمونَ بالحِكمِ وأحاسنِ الكلامِ ويفعلونَ ما يفعلُه الكرامُ، وقرئ: {لا لغوَ فيها ولا تأثيمَ} بالفتح {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} أي بالكأسِ {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} أي مماليكُ مخصوصونَ بهم وقيلَ: هم أولادُهم الذين سبقوهُم {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصونٌ في الصَّدفِ من بياضِهم وصفائِهم أو مخزونٌ لأنه لا يخزنُ إلا الثمينُ الغالِي القيمةِ. قيلَ لقَتَادة: هذا الخادمُ فكيفَ المخدومُ؟ فقالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيدهِ إنَّ فضلَ المخدومِ على الخادمِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ. وعنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: إنْ أدنى أهلِ الجنةِ منزلةً منْ يُنادي الخادمَ من خدامِه فيجيبُهُ ألفٌ ببابِه لبيكَ لبيكَ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أيْ يسألُ كلُّ بعضٍ منهم بعضاً آخرَ عنْ أحوالِه وأعمالِه فيكونُ كلُّ بعضٍ سائلاً ومسؤولاً لا أنه يسألُ بعضٌ معينٌ منهم بعضاً آخرَ معيناً.


{قَالُواْ} أي المسؤولونَ وهم كلُّ واحدٍ في الحقيقةِ {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} أي في الدُّنيا {فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أرقاءَ القلوبِ خائفينَ من عصيانِ الله تعالى معتنين بطاعتِه أو وجلين من العاقبةِ {فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالرحمةِ أو التوفيقِ للحقِّ {ووقانا عَذَابَ السموم} عذابَ النارِ النافذةِ في المسامِّ نفوذَ السمومِ وقرئ: {ووقَّانا} بالتشديدِ {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} أيْ نعبدُه أو نسألُه الوقايةَ {إِنَّهُ هُوَ البر} المحسنُ {الرحيم} الكثيرُ الرحمةِ الذي إذا عُبدَ أثابَ وإذا سُئلَ أجابَ وقرئ: {أنَّه} بالفتحِ بمَعْنى لأَنَّه {فَذَكّرْ} فاثبُت على ما أنتَ عليهِ من التذكيرِ لما أُنزلَ إليك من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ ولا تكترثْ بما يقولونَ مما لا خيرَ فيه من الأباطيل.
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ} بحمدِه وإنعامِه بصدقِ النبوةِ ورجاحةِ العقلِ {بكاهن وَلاَ مَجْنُونٍ} كما يقولونَ قاتلهم الله أنَّي يُؤفكون {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} وهو ما يقلقُ النفوسَ ويشخصُ بَها من حوادثِ الدهرِ وقيلَ: المنونُ الموتُ وهو في الأصلِ فَعُولٌ مَنَّه مَه إذا قطَعُه لأنَّ الموتَ قطوعٌ أي بلَ أيقولونَ ننتظرُ به نوائبَ الدهرِ {قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربصُ هلاككُم كما تتربصونَ هلاكيَ وفيه عِدةٌ كريمةٌ بإهلاكِهم {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} أي عقولُهم {بهذا} أي بهذا التناقضِ في المقالِ فإن الكاهنَ يكونُ ذا فطنةٍ ودقةٍ نظرِ في الأمورِ والمجنونَ مُغطى عقلُه مختلٌّ فكرُهُ والشاعرَ ذُو كلامٍ موزونٍ متسقٍ مخيلٍ فكيفَ يجتمعُ أوصافُ هؤلاءِ في واحدٍ. وأمرُ الأحلامِ بذلكَ مجازٌ عن أدائِها إليهِ {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزونَ الحدودَ في المكابرةِ والعنادِ لا يحومونَ حولَ الرشدِ والسَّدادِ، ولذلك يقولونَ ما يقولونَ من الأكاذيبِ الخارجةِ عن دائرةِ العقولِ والظنونِ وقرئ: {بَلْ هُمْ} {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي اختلقَهُ من تلقاءِ نفسِه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} فلكفرهم وعنادِهم يرمونَ بهذه الأباطيل التي لا يخفى على أحدٍ بطلانُها، كيف لا وما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا واحدٌ من العربِ فكيف أتى بما عجزَ عنه كافةٌ الأممِ من العربِ والعجمِ.


{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} مثلِ القرآنِ في النعوتِ التي استقلَّ بها من حيثُ النظمُ ومن حيثُ المَعْنى {إِن كَانُواْ صادقين} فيما زعمُوا فإنَّ صدقَهم في ذلكَ يستدعي قدرتَهم على الإتيانِ بمثله بقضيةِ مشاركتِهم لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في البشريةِ والعربيةِ مع ما بهم من طولِ الممارسةِ للخطبِ والأشعارِ وكثرةِ المزاولةِ لأساليبِ النظمِ والنثرِ والمبالغةِ في حفظِ الوقائعِ والأيامِ، ولا ريبَ في إن القدرةَ على الشيءِ منْ موجباتِ الإتيانِ به ودواعِي الأمرِ بذلكَ {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْء} أي أمْ أُحدِثُوا وقُدِّروا هذا التقديرَ البديعَ من غيرِ محدِثٍ ومقدّرٍ؟ وقيل: أم خُلقوا من أجلِ لا شيءٍ من عبادةٍ وجزاءٍ {أَمْ هُمُ الخالقون} لأنفسِهم فلذلك لا يعبدون الله سبحانَهُ {أَمْ خَلَقُواْ السموات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ} أي إذا سئلوا منْ خلقكم وخلق السمواتِ والأرضَ قالوا الله وهم غيرُ موقنينَ بما قالُوا وإلا لما أعرضُوا عن عبادتِه {أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ} أي خزائنُ رزقِه ورحمتِه حتى يرزُقوا النبوةَ من شاءُوا ويُمسكوها عمَّن شاءُوا، أو عندَهم خزائنُ علمِه وحكمتِه حتى يختارُوا لها من اقتضتِ الحكمةُ اختيارَهُ {أَمْ هُمُ المسيطرون} أي الغالبونَ على الأمورِ يدبرونَها كيفما شاءُوا حتى يدبروا أمرَ الربوبيةِ ويبنوا الأمورَ على إرادتِهم ومشيئتِهم، وقرئ: {المصيطرونَ} بالصادِ لمكانِ الطاءِ {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} منصوبٌ إلى السماءِ {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} صاعدينَ إلى كلامِ الملائكةِ وما يوحَى إليهم من علمِ الغيبِ حتى يعلمُوا ما هو كائنٌ من الأمورِ التي يتقوّلونَ فيها رجماً بالغيبِ ويعلقونَ بها أطماعَهُم الفارغةَ {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بسلطان مُّبِينٍ} بحجةٍ واضحةٍ تصدّق استماعَه.
{أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولِهم وإيذانٌ بأنَّ من هذا رأيُه لا يكادُ يعدُّ من العقلاءِ فضلاً عن الترقِّي إلى عالمِ الملكوتِ والتطلعِ على الأسرارِ الغيبيةِ. والالتفاتُ إلى الخطابِ لتشديدِ ما في أمِ المنقطعةِ من الإنكارِ والتوبيخِ.
{أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً} رجوعٌ إلى خطابِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإعراضٌ عنْهُم أي بلْ أتسألُهم أجراً على تبليغِ الرسالةِ {فَهُمُ} لذلكَ {مّن مَّغْرَمٍ} من التزامِ غرامةٍ فادحةٍ {مُّثْقَلُونَ} محمّلونَ الثقلَ فلذلكَ لا يتبعونكَ.

1 | 2 | 3